التاريخ : 23/5/2011
هكذا صيرت أحداث الستة أشهر الماضية طموحات صديقي محمد أنور الفيتوري، والذي يصغرني بأربعة عقود، فأصبح من الممكن لأحلامه أن تحطم جدران الطغيان والاستبداد لتقول للطاغية نعم أريد الكرسي الذي تجلس عليه. محمد الفيتوري، هو ضمن قائمة أصدقائي في صفحة التواصل الإجتماعي (فيس بوك)، كتب رواية جميلة عن حلمه الذي أصبح فيه رئيسا للجمهورية، ورغم أن النهاية كادت أن تكون مأسوية، حسب ما جاء فيها، إلا أن الدروس المستفادة منها عديدة، ولعل أهمها هي أن الطموحات والأجندات للشخص والجماعات ليست عيباً في ذاتها مادامت مشروعة ووطنية.
في البداية رشح معالي الرئيس محمد أنور الفيتوري نفسه في انتخابات حرة ونزيهة وبإشراف قضائي محلي ووجود هيئة دولية مختصة أشرفت قبل ذلك على الاستفتاء على الدستور. هذا الدستور، الذي رسم معالم الدولة المدنية الحديثه وعبر بصدق عن رغبة وتطلُعات الشعب الليبي، كُتب بسواعد وطنية تم إختيارهم من قِبل الشعب عبر المؤتمر الوطني العام والذي يمثل أعضاؤه كامل التراب الليبي، فأصبح من الممكن لشخص مثل محمد أن يصبح رئيساً للجمهورية.
قدم معالي الرئيس اوراق إعتماد ترشحه لإنتخابات الرئاسة حسبما يمليه عليه الدستور. بعد موافقة لجنة الإنتخابات، قدم محمد برنامجه الإنتخابي وطاف مدن وقرى ليبيا يعرض نفسه وبرنامجه على أفراد شعبه، ووعدهم بتقديم مصالح البلاد على المصالح الخاصة. كسب معالي الرئيس، بالاضافة لدعم وحب شعبه، معرفة لا يمكن إكتسابها خلف المكاتب الفاخرة ولا عبر قراءة عشرات الكتب. برنامجه الإنتخابي عُد كعقد بينه وبين شعبه، وعلى أساسه سيتم إنتخابه رئيساً للبلاد بواسطة ورقة يضعها الشعب في صناديق الإقتراع، تمنح الرئيس القوة اللازمة لتشكيل مستقبل البلاد.
وفي حالة عدم وفائه بإلتزماته، كما ينص عليها برنامجه الإنتخابي، فإن الشعب سوف يستخدم نفس الورقة لإسقاطه. وفي هذه الحالة ليس من حق معالي الرئيس أن يستخدم الأربعة عشر ونصف ولا المائة وستة ولا صواريخ الجراد ضد شعبه، بل أن قوى الجيش والأمن لن تسمع أوامره، لأنه فقد الشرعية المستمدة من الشعب، ولأن الجيش والأمن خدمٌ للشعب وليس لفخامته.
أكد المرشح للرئاسة محمد أنور أن برنامجه الإنتخابي يضمن تحقيق النهضة لبلاده بالتركيز على ثلاثة محاور رئيسية. ففي المحور السياسي، تعهد بأن تكون ليبيا فوق الجميع وسيسعى لتعميق حب الوطن في قلوب الليبيين وأن مصالح ليبيا مقدمة على مصلحة الفرد، وإن كان ذلك الفرد رئيس الجمهورية. وأكد إلتزامه بالدستور، وتوسيع صلاحية رئيس الوزراء، لممارسة دوره كمسئول تنفيذي عن سياسات الحكومة، والمحافظة على الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتعهد بصون الحق الرقابي للبرلمان، وكذلك ضمان إستقلالية القضاء.
وفي المحور الإقتصادي تعهد بأن يجعل ليبيا احدى الدول القوية والمستقرة إقتصادياً، خلال الخمس سنوات القادمة، ووضعها في مصاف الدول المتقدمة عالمياً، خلال العشرة سنوات القادمة، وتوفير فرص عمل للشباب، وإعانتهم على الزواج، وتوفير المسكن اللائق لهم، والاهتمام بجودة التعليم، والصحة للجميع. كما أنه أكد على إعادة بناء المدن التي دمرتها آلة البغي والطغيان ووعد ببناء البنية التحية التي اهْمِلت خلال العقود الماضية.
وفي المحور الإجتماعي تعهد بأن تكون المرأة شريكا حقيقياً للرجل في قيادة البلاد نحو التقدم والرقي، وأنه سيعوض الطفل ما حُرم منه الأباء إبان حكم الطاغية وأن الطفل سيولَّى إهتماما خاصاً خلال فترة حكمه، كما أنه وعد برعاية الايتام والأرامل ومد يد العون لكل المتضررين من حرب الطاغية على شعبه. هكذا كان البرنامج المفترض لمرشح الرئاسة محمد أنور الفيتوري وإليكم القصة بتصرف.
البداية كانت الرغبة في حياة الترف والرفاهية المتمثلة في حياة القصور والطائرات الخاصة والحرس الشخصي وعشرات الخدم والحشم، فكيف يتحقق لي ذلك؟ أفضل طريقة هي أن أكون رئيسا للجمهورية. سئمت حياة الأموار الصادرة من السيدة الوالدة، فهي تصدر لي أمور لمواعيد النوم وأخرى للأكل وتحدد نوع ولون الملابس التي أرتديها وساعة الاستيقاظ وما أدراك ما ساعة الاستيقاظ. نمت تلك الليلة وقد عقدت العزم على أن أكون رئيساً للجمهورية بالبرنامج الإنتخابي التي ذُكر سلفاً. رأيت أنني فوزت بالانتخابات بنسبة 55%.
معالي رئيس الجمهورية: محمد أنور الفيتوري يرفع علم الإستقلال
وفي أول أيامي كرئيس للجمهورية اجتمعت مع الوزراء وقلت لهم اتذكرون وعودي الإنتخابية؟ قالوا نعم، قلت لهم لنبدأ في إنجاز ما وعدناه ولنبدأ بالتعليم والنظام الصحي.
عندما عدت إلى البيت، قلت في نفسي لو أنني صرفت هذه الأموال على شعبي فلن يبقى لي شيئاً، ولو لم أصرف هذه الأموال، سوف يثور الشعب علي. لكنني قلت أيضاً في نفسي إن شعبي يحبني ويخافني ولن يحرك ساكناً. عقود من الفساد والظلم والطغيان قرر بعدها الشعب في 17 فبراير الثورة ضدي. وبالفعل بدأت أشعر بما ارتكبته يداي، وأنا جالس في قصري في باريس، أقول في نفسي لقد تحكم الشيطان في عقلي وفي أفعالي وقادني إلى هذا المصير. رجعت من باريس وكلي آمل أن شعبي يحبني وسيخافني ويعدل عن تنحيتي، فأنا المجد والمجد أنا، ولكنه كانت المفاجأة، أنهم ألقوا القبض علي، وأودعوني في غياهب السجون، وحققوا معي، وحمكوا علي بالإعدام رمياً بالرصاص.
حُدد يوم 17 يونيو موعدا لتنفيذ حكم الإعدام في ميدان الشهداء بمدينة طرابلس، والتي غصت بالجماهير، لتحضر يومها التي طالما إنتظرته، لتتخلص فيه من الطاغية الذي سرق أموالها، وقتل أبناءها، وسجن علماءها، وأفسد مقدرات بلادها. قراء القاضي منطوق الحكم وطلب الشيخ مني نطق الشهادتين، وأنا أرى شعبي أمامي لعله يعطف علي ويصيح مرة أخرى، عاش الرئيس، لكنه لم يفعل. وقف فريق الإعدام المتكون من ثلاثة جنود وصوبوا بنادقهم نحوي واطلقوا رصاصة الموت.
قم من سباتك يامحمد فموعد المدرسة قد حان! لقد كان صوت أمي هذه المرة، كأنه صوت موسيقي عذب. صحت بأعلى صوتي: صباح الخير مدرستي، صباح الخير والنور، إليك اشتقت بالامس، فزاد اليوم تبكيري. الحمد لله أنني لم أكن رئيساً ولم أقتل أبناء شعبي ولم أسرق أموالهم وبالتالي لا أستحق الموت. لعلي فعلاً أرشح نفسي يوما ما لرئاسة الجمهورية، ولكن خدمة للشعب وليس سلب لمقدراته وقتل أبناءه.
هذه الثورة المباركة فتحت الأمل على مصرعيه لأبن الاثنتي عشرة ربيعاً ليحلم أن يكون رئيساً. لذا، فإنني أجزم أنها قد حققت أهم أهدافها. فلطالما عشنا وشبنا بدون أمل، لكن شبابنا اليوم رفضوا حياة الذل والقهر والمهانة وارتاؤا أن يتصدوا بصدورهم العارية لكافة الأسلحة الفتاكة وأن يموتوا أحراراً على أن يعيشوا أذلاء.
الدروس لا تنتهي من هذه القصة الجميلة، فمحمد ذلك الطفل الرجل، علِم أهمية الدستور وأهمية الإيفاء بالبرنامج الإنتخابي وأن الظلم عواقبه وخيمة وأن الشعب له بالمرصاد. علِم أن الشعب لن ينته دوره عند إلقاء الورقة في صندوق الإقتراع، وإنما يبدأ هناك. لابد من وجود رقابة لصيقة على أداء الرئيس وحكومته. وكذلك وجود وسيلة للتخلص منهما في حالة تقصيرهما، حتى لا يقول الرئيس يوماً ما، إما أن أحكُمكم أو أقتُلكم.